أبيات من الحكمة

أبيات من الحكمة

لا يدرك الحكمة من عمره

يقول الإمام الشافعي:[١]

لا يُدرِكُ الحِكمَةَ مَن عُمرُهُ

يَكدَحُ في مَصلَحَةِ الأَهلِ

وَلا يَنالُ العِلمَ إِلّا فَتىً

خالٍ مِنَ الأَفكارِ وَالشُغلِ

لَو أَنَّ لُقمانَ الحَكيمَ الَّذي

سارَت بِهِ الرُكبانُ بِالفَضلِ

بُلي بِفَقرٍ وَعِيالٍ لَما

فَرَّقَ بَينَ التِبنِ وَالبَقلِ


يا طالب الحكمة من أهلها

يقول أبو العتاهية:[٢]

يا طالِبَ الحِكمَةِ مِن أَهلِها

النورُ يَجلو لَونَ ظَلمائِهِ

وَلأَصلُ يَسقي أَبَداً فَرعَهُ

وَتُثمِرُ الأَكمامُ مِن مائِهِ

مَن حَسَدَ الناسَ عَلى مالِهِم

تَحَمَّلَ الهَمَّ بِأَعبائِهِ

وَالدَهرُ رَوّاغٌ بِأَبنائِهِ

يَغُرُّهُم مِنهُ بِحَلوائِهِ

يُلحِقُ آباءً بِأَبنائِهِم

وَيُلحِقُ الإِبنَ بِآبائِهِ

وَالفِعلُ مَنسوبٌ إِلى أَهلِهِ

كَلشَيءِ تَدعوهُ بِأَسمائِهِ


ألكني إلى من له حكمة

يقول أبو العلاء المعري:[٣]

أَلِكني إِلى مَن لَهُ حِكمَةٌ

أَلِكني إِلَيهِ أَلِكني أَلِك

أَرى مَلَكاً طانَهُ لِلحِمامِ

فَكَيفَ يُوَقّى بَطينُ المَلِك

فَما لي أَخافُ طَريقَ الرَدى

وَذَلِكَ خَيرُ طَريقٍ سُلِك

يُريحُكَ مِن عيشَةٍ مُرَّةٍ

وَمالٍ أَضيعَ وَمالٍ مُلِك


كفى حكمة لله أنك صائر

يقول ابن خفاجة:[٤]

كَفى حِكمَةً لِلَّهِ أَنَّكَ صائِرٌ

تُراباً كَما سَوّاكَ قَبلُ فَعَدَّلَك

وَإِن شِئتَ مَرأى كَيفَ كَوَّنَ ثانِياً

فَدونَكَ فَاِنظُر كَيفَ كَوَّنَ أَوَّلَك

فَهَل أَنتَ في دارِ الفَناءِ مُمَهَّدٌ

مَحَلُّكَ في دارِ البَقاءِ وَمَنزِلُك


حكمه في مهجتي حسنه

يقول المعتمد بن عباد:[٥]

حَكَّمَهُ في مُهجَتي حُسنُهُ

فَظَلّ لا يَعدِلُ في حُكمِهِ

أَفديه ما يَنفَكُّ لي ظالِماً

يا رَبَّ لا يُجزَ عَلى ظُلمِهِ


قاضي القضاة بيمنى حكمه القلم

يقول ابن نباته المصري:[٦]

قاضي القضاة بيمنى حكمه القلم

يا ساريَ القصد هذا الباب والعلم

هذا اليراع الذي تجني الفخار به

يدُ الإمام التي معروفها أمَمُ

إن آلم الحكم فقد الذاهبين فقد

وافى الهناء فزال اللبس والألمُ

ولىّ عليّ ووافى بعد مشبهه

كالسّيل أقبل لما ولّت الدّيم

لا يبعد الله أيام العلاء فما

يقضي حقوق ثناها في الأنام فمُ

ويمنع الله بالراقي لرتبته

فقد تشابهت الأخلاق والشّيمُ

معْيي المماثل في علمٍ وفيض ندًى

فالسحب باكية والبحر ملتطمُ


فيا رب هذا الدهر قد جار حكمه

يقول أبو الفيض الكتاني:[٧]

فيا رب هذا الدهر قد جار حكمه

علينا بما أبدى وما قد رثى ليا

وقد أنشبت فينا الخطوب أظافرا

فهل من طبيب يشعرن بما بيا

وقد كان لي كنز من الصبر أتقي

به ألسن الرقطاء مما علانيا

فاجهده كيد الطوارق مذ بدت

نواجذها منها لقيت الدواهيا

كأني بها تهوى وصالي لذاك قد

أتيحت رزاياها وهان عزائيا

ومن عجب أشكو لمن هو أبكاني

فهيهات ما يرضيه إلا بكائيا

وإن شاء أشجاني وإن شاء أبلاني

وإن شاء أوهاني وزاد عذابيا

وإن شاء تعذيبي رضيت وإن يشأ

وصالي فكم أنشدت هل لي راقيا


أقبل مثل البدر في تمامه

يقول أبو الحسين الجزار:[٨]

صَدرٌ به لله سِرٌّ مودَعٌ

تُذيعُهُ الحِكمَةُ من أحكامهِ

واخجلَةَ البيض ويا وَيحَ القَنا

السُّمرِ بما يُبديهِ من اقلامهِ

عزائمٌ رَدَّ بها الأيامَ من

أعوانهِ والدَّهرَ من خُدَّامِهِ

ويقظةٌ قد خصةَّ الله بها

توحى إليه الغيبَ من إلهامهِ

وسَطوَةٌ لو نظر اللَّيثُ لها

لأعمَلَ الحِيلة في إحجامهِ


هي نفحة هبت من الأنصار

يقول ابن زمرك:[٩]

كم حكمة لك في النفوس خفية

خفيت مداركها عن الأفكار

كم من أمير أم بابك فانثنى

يدعى الخليفة دعوة الإكبار

أعطيت أحمد راية منصورة

بركاتها تسري من الأنصار

أركبته في المنشآت كأنما

جهزته في وجهة لمزار

من كل خافقة الشراع مصفق

منها الجناح تطير كل مطار

ألقت بأيدي الريح فضل عنانها

فتكاد تسبق لمحة الأبصار

مثل الجياد تدافعت وتسابقت

من طافح الأمواج في مضمار

لله منها في المجاز سوابح

وقفت عليك الفخر وهي جواري

لما قصدت بها مراسي سبتة

عطفت على الأسوار عطف سوار


ألمْ يأن أنْ تروى الظماءُ الحوائمُ

يقول أبو تمام:[١٠]

يُرى حِكْمَة ً مافيهِ وهْوَ فُكَاهَة ٌ

ويُقْضِي بما يَقْضِي بهِ، وهْوَ ظَالِمُ

إلى أحمدَ المحمودِ رامتْ بنا السرى

نواعِبُ في عَرْضِ الفلا ورَوَاسمُ

خَوَانِفُ يَظْلِمْنَ الظَّلِيم إذا عَدَا

وسيجَ أبيهِ وهوَ للبرقِ شائمُ

نجائبُ قدْ كانتْ نعائمَ مرة ً

مِنَ المَر أَوْ أُمَّاتُهُنَّ نَعَائِمُ

إلى سالمِ الأخلاقِ من كلِّ عائبٍ

وليسَ لهُ مالٌ على الجودِ سالمُ

جَديرٌ بأَنْ لا يُصْبِحَ المَالُ عِنْدَهُ

جَدِيراً بأن يَبْقَى وفي الأرض غَارمُ

ولَيْسَ ببَانٍ لِلعُلى خُلُقُ امرئ

وإنْ جلَّ إلاَّ وهْوَ لِلمَالِ هَادِمُ

لهُ من إيادٍ قمة ُ المجدِ حيثما

سَمتْ وَلها مِنْه البِنَا والدَّعَائِمُ

أناسٌ إذا راحوا إلى الروعِ لم تَرُح

مسالمة ً أسيافهمْ والجماجمُ

بَنُو كُل مشْبُوحِ الذرَاعِ إِذَ القَنَا

ثَنَت أَذْرُعَ الأبطال وَهْيَ مَعَاصِمُ

إذا سيفهُ أضحى على الهامِ حاكماً

غدا العفو منه وهو في السيفِ حاكمُ

أَخَذْت بأعضَادِ العُرَيْب وقَدْ خَوَتْ

عُيُونٌ كَلِيلاتٌ وذَلَّتْ جَمَاجِمُ

فأضحوا لوِ استطاعوا لفرطِ محبة ٍ

لقد علقتْ خوفاً عليكَ التمائمُ


بك الدهر يندى ظله ويطيب

يقول أبو الحسن الجرجاني:[١١]

بك الدهر يَندَى ظلُّه وَيَطيبُ

ويُقلعُ عما ساءنا وَيَتُوبُ

ونَحمَدُ آثارَ الزمان وَرُبَّما

ظللنا وَأَوقاتُ الزَّمان ذُنُوبُ

أفي كلِّ يومٍ للمكارمِ روعةٌ

لها في قلوبِ الَمكرُماتِ وَجيبُ

تَقَسَّمتِ العلياءُ جسمَك كُلَّه

فمن أين فيه للسَّقام نصيبُ

إذا أَلمَت نَفسُ الوزيرِ تألَّمت

لها أَنفسٌ تحيا بها وقلوب

وواللهِ لا لاحظتُ وجهاً أُحبُّهُ

حياتي وفي وجه الوزير شُحُوبُ

وليس شُحُوباً ما أراه بوجههِ

ولكنَّهُ في الَمكرُماتِ نُدُوبُ

فلا تَجزَعَنْ تلك السماءُ تَغَيَّمَت

فَعَمَّا قليل تَبتَدِي فَتَصُوبُ

وقد تَنجلي الشمس بعد استتارها

وَينقُصُ ضَوءُ البدرِ ثم يَثوبُ

تهلل وجهُ المجدِ وابتسم النَّدى

وأصبح غُصنُ الفضلِ وهو رَطيبُ

فلا زَالت الدُّنيا بملكك طلقَةً

ولا زال فيها من ظلاِلك طيبُ

ويا شمس لا تجري على غير مخلص

بطاعته يدعو بها ويُجيبُ

ويا دهر لا تهجم بمن لا تودَّه

على ساعةٍ يصفو له ويطيبُ

فإنَّ دعائي مُستجابٌ لأنَّهُ

سُلالةُ قلبي والقلوب ضُرُوبُ


للمرء في أيامه عبر

يقول ابن السيد البطليوسي:[١٢]

للمرء في أيامه عبر

والصفو يحدث بعده كدر

خرس الزمان لمن تأمله

تطق وخبز صروفه خبر

نادى فأسمع لو وعت إذن

وأرى العواقب لو رأى بصر

كم قال هبوا طالما هجعت

منكم عيون حقها السهر

أبإذن من هو مبصري صمم

أم قلب من هو سامعي حجر

لولا عماكم ما جاءت النر

ومواعظي ما جاءت النذر

هذي مصارع معشرٍ هلكوا

وعطتكم بالصمت فاعتبروا

قالت أرى ليل الشباب بدت

للشيب فيه أنجم زهر

فأجبتها لا تكثري عجباً

من شيبةٍ لم يجنها كبر

لكن طويت من الهموم لظىً

أضحى لها في عارضي شرر

حسنت شمائلكم وأوجهكم

فتطابقا مرأىً ومختبر

والحسن في صور النفوس وإن

راقتك من أجسامها الصور

لا ضعضعت أيدي الخطوب لكم

ركنا ولا راعتكم الغير


وإن عليا قال في الصيد قبل أن

يقول السيد الحميري:[١٣]

وإن عليّاً قال في الصَّيدِ قبل أن

يُنزَّلَ في التنزيلِ ما كان أَوْجَبا

قضى فيه قبل الوحي خير قضية

فأنزلها الرحمن حقاً مرتبا

على قاتلِ الصيدِ الحرامِ كمثلهِ

من النَّعَمِ المفروضِ كان مُعَقَّبا

إلى البيت بيتِ الله معتمِداً إذا

تعمَّده كيلا يَعودَ فَيعطَبا

وسلَّمَ جبريلٌ وميكالُ ليلةً

عليه وإسرافيلُ حيَّاه مُعْرِبا

أحاطوا به في روعةٍ جاءَ يَستقي

وكلٌّ علىْ ألفٍ بها قد تحزَّبا

ثلاثة آلاف ملائكَ سلَّموا

عليه فأدناهمْ وحَيّا ورحَّبا

وأعتقَ ألفاً من صُلبِ مالهِ

أراد بهم وجهَ الإلهِ وسيَّبا

وليلةَ قاما يَمشيان بِظُلمةٍ

يجوبان جِلباباً من الليلِ غَيْهَبا

إلى صنم كانت خُزاعة كلُّها

تُوَقِّرُه كي يَكسراه ويَهربا

فقال اعْلُ ظهري يا عليُّ وحُطَّه

فقامَ به خيرُ الأَنامِ مركَّبا

يُغادِرُه قضّاً جُذاذاً وقال ثُبْ

جزاكَ به ربي جَزاءً مؤرَّبا

المراجع

  1. "لا يدرك الحكمة من عمره"، الديوان .
  2. "يا طالب الحكمة من أهلها"، الديوان .
  3. " ألكني إلى من له حكمة"، الديوان .
  4. "كفى حكمة لله أنك صائر"، الديوان .
  5. "حكمه في مهجتي حسنه"، الديوان .
  6. "قاضي القضاة بيمنى حكمه القلم"، الديوان .
  7. "فيا رب هذا الدهر قد جار حكمه"، الديوان .
  8. "أقبل مثل البدر في تمامه"، الديوان .
  9. "هي نفحة هبت من الأنصار"، الديوان .
  10. "ألم يأن أن تروى الظماء الحوائم"، الديوان .
  11. "بك الدهر يَندَى ظلُّه وَيَطيبُ"، البيت العربي .
  12. " للمرء في أيامه عبر"، الديوان .
  13. "وإن عليا قال في الصيد قبل أن"، الديوان .
10800 مشاهدة
للأعلى للأسفل