المذهب الجمالي

المذهب الجمالي

التعريف بالمذهب الجمالي

إن مصطلح "المذهب"؛ اصطلاح استخدمه القدماء من المفكرين والنقاد للاستدلال على الخصوصية المتمايزة التي يستقل بها صاحب المذهب في رؤيته لشيء ما أو لموضوع معين، ولا بدّ أن تتصف هذه الرؤية بالتكاملية في جميع نواحي المذهب الفكري؛ أي يكون المذهب كافيًا لتوضيح الميدان الفكري الذي يدور فيه المذهب، وفهمه فهمًا سليمًا مع أيديولوجية أساسية للمذهب.[١]

أما مصطلح "الجمالي"؛ فيشير إلى أنه اسم منسوب إلى جمال، وهو عكس القبح والشناعة، فالجماليون يطلقون على من تأثر نتيجةً عن تأمّل الفرد في الأشياء الجميلة بأنه انفعال جمالي؛ وكذلك إذا ما تمّ تقييم أثر فنّي من حيث المفهوم الذوقي لشروط الجمال بأنه حكم جمالي.[٢]

المذهب الجمالي عند أفلاطون

يبدو أن التفكير في الجمال قد ظهر حينما بدا العقل اليوناني بالتطور والازدهار، حيث حاول الإغريق التقصي والتحقيق عن تفاسير لتلك الظاهرة النوعية، وحاولوا وضع معايير للجمال، فالشعور بالجمال قديم قدم الإنسان، أما التفكير فيه فلسفيًا فهو من اختراع اليونان الإغريق القدماء.[٣]

وقد استوعب أفلاطون فلسفة أستاذه سقراط الذي اتجه اتجاهًا جديدًا، حيث إن سقراط قد كافح كفاحا شديدا ضد الشعراء الواقعيين الذين استمروا في إثارة جانب العاطفة والانفعال الذي يزعزع سيطرة العقل عن قيادة الإنسان ويفقده التوازن والالتزام بالقوانين المقدسة، فقد عني أفلاطون بتعاليم أستاذه حيث آثر منهج الاستدلال العقلي، لكنه أضاف في مرحلة متأخرة البعد الصوفي لفلسفته.[٤]

ومن الأشياء التي تبرز البعد الصوفي لديه اعتماده على الإلهام، حيث قال في محاورة فايدوس: "إنه لا يستطيع أحد أن يتقن العر إلا بإلهام ربات الشعر".[٥]

كما أن أفلاطون قد قسم العالم إلى قسمين هما كالآتي:[٥]

  • عالم المثل

حيث تتمثل القيم المطلقة مثل الحق والخير والعدل والجمال، وهي أشياء تدرك بالحس أي بالقدرات الإدراكية المادية، ويتصف هذا العالم بالخلود.

  • العالم المادي

الذي تدركه الحواس وهو مليء بالشرور والآثام، فلأجل أن يعلو الإنسان بنفسه وبروحه؛ عليه أن يتخذ العالم المادي وسيلة للعالم الروحي، والتخلص من شرور الجسد وآثامه، والتطلع إلى عالم المثل الذي أسماه أفلاطون بالحب، فالحب هو الدافع المحرك للفيلسوف نحو الحق، كما هو محرك للفنان نحو الجمال.

المذهب الجمالي عند الجاحظ

يقول الشيخ الموسوعي الجاحظ: "إن أمر الجمال أدق وأرق من أن يدركه كل من أبصره، ومعرفة وجوه الجمال والقبح لا تتأتى إلا للثاقب النظر، الماهر البصر، الطبّ في الصناعة".[٦]

يشير الجاحظ في كلامه إلى مسألة مهمة في تحديد طبيعة الجمال ومقوماته، عندما ربط الجمالية بالعرف والعادة، فما اعتادت الناس على تقبله واستحسانه، وتعارفت عليه جميلًا، إذ يقول ضاربًا المثال على ذلك: "كانوا يمدحون الجهير الصوت، ويذمون الضيئل الصوت، ولذلك تشادقوا في الكلام، ومدحوا سعة الفم، وذمّوا صغر الفم".[٦]

يرى الجاحظ أيضًا أن الجمال يتجلى بالاعتدال أو التوسط بين طرفين متراجحين في الزيادة والنقصان؛ فالزيادة تورث عيبًا، والنقصان يخلف شينًا، وفي ذلك يقول: "أما تجاوز المقدار كالزيادة في طول القامة، أو كدقّة الجسم، أو عظم الجارحة، أو سعة العين أو الفم مما يتجاوز مثله، من الناس المعتدلين في الخَلق، فإن هذه الزيادة متى كانت فهي نقصان في الحسن، وإن عدّت زيادة في الجسم".[٦]

المذهب الجمالي عند ابن خلدون

إن المؤرخ العبقري ابن خلدون أبدع في مزج الجمالية والفن مع ازدهار العمران من مختلف جوانبه، فيرى أن فائدة الفن ومنافعه تتعلقان بنحو أو آخر بالناحية الترفيهية، حيث إن الفن والجمال يقومان بوظائف عديدة، يمكن أن يتم تقسيمها -حسب رأي المؤرخ- كما يلي:[٧]

  • تزجية الوقت بصورة ماتعة

أي تخصيص وقت معين من أجل هذه المتعة الجمالية مثلًا الغناء، ويسمى باللذة الجمالية.

  • زيادة الترف والمتعة

فكلما ارتقى العمران في سلم التطور؛ استدعى ذلك التفنن في طلب الملذات وزيادتها.

  • اللهو واللعب
لتحصيل المتعة واللذة المرغوب فيه، إذ إنهما غايتان مقصودان موجهان.
  • ملء الفراغ

فبعد أن يتم تخصيص الوقت للهو واللعب ينتج عنه الفرح من اكتساب المتعة، وقضاء الوقت بعد فراغ الإنسان من مشاغل الحياة.

  • إكساب العقل وإغناء التجربة
وهي أكثر وظائف الفن أهمية، وذلك لأن الهدف منها بناء العقل وتوسيع أفقه بما يرفده ويؤول إليه من التقدم والتطور؛ فالنفوس الإنسانية السوية يجب أن تستفيد من كل علم وفن.
  • التحكم بالانفعالات وتوجيهها

وهي تسمّى أيضًا بوظيفة تطهير الأهواء وتحسينها.

المراجع

  1. عزت السيد أحمد، المذاهب الجمالية، صفحة 25. بتصرّف.
  2. مارك جمينيز، ما الجمالية؟، صفحة 444. بتصرّف.
  3. سليم عادل عبدالحق، الفن الإغريقي وآثاره المشهورة في الشرق، صفحة 3. بتصرّف.
  4. د أميرة حلمي مطر، فلسفة الجمال، صفحة 18. بتصرّف.
  5. ^ أ ب يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، صفحة 118. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت عزت السيد أحمد، فلسفة الفن والجمال عند الجاحظ، صفحة 43. بتصرّف.
  7. عزت السيد أحمد، فلسفة الفن والجمال عند ابن خلدون، صفحة 71. بتصرّف.
14 مشاهدة
للأعلى للأسفل