شرح قصيدة عمرو بن كلثوم في الفخر

شرح قصيدة عمرو بن كلثوم في الفخر


قصيدة عمرو بن كلثوم في الفخر

قصيدةٌ كتبها شاعر تغلب وسيدها عمرو بن كلثوم وما وصل إلينا منها قليلٌ، وهي إحدى المعلقات السبع وقد افتخر بها بنو تغلب لدرجة أنهم كانوا يحفظونها ويتغنون بها، حتى إنهم هُجوا لشدة شغفهم بها.[١]


أبيات القصيدة وموضوعاتها

عدد أبيات القصيدة ستةٌ وتسعون بيتاً، وتزيد عن ذلك حسب من جمعها لتصل إلى مئةٍ وخمسة وعشرين بيتاً، وقد تنوعت موضوعاتها فابتدأها بذكر الخمر بدل الوقوف على الأطلال، ثم ذكر ارتحال الظعائن وأثر الفراق، ثم دخل إلى موضوع القصيدة الأساسي وهو الفخر بقبيلته.[٢]


القصيدة وشرحها

قال عمرو بن كلثوم: [٣]


أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا

وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا

مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيه

إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا

قومي من نومك واسقينا في الصباح بقدحٍ عظيمٍ من خمور الأندرين؛ وهي قرى موجودة في الشام، وامزجي الخمر بالماء لتصبح لشدة حمرتها كالماء الذي خالطه الحص وهو نوع من النبات، وعندما يخالطها الماء ونشرب منها سنسخى بأموالنا. [٤]


تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ

إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا

تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت

عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا

يمدح الخمرة بأنها تغير موقف صاحب العقل العنيد وتثنيه عن عناده وتلينه، كما أن من يشربها ينسى همومه.[٤]

اللحز: الضيق الصدر. الشحيح: البخيل الحريص، يقول بأن من ضاقت صدره وكثرت همومه، والبخيل الحريص على ماله إذا سرت فيه يصبح منفقاً لماله، مهيناً له بعد أن كان حريصًا عليه.[٤]


صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو

وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا

وَما شَرُّ الثَلاثَةِ أُمَّ عَمرٍو

بِصاحِبِكِ الَّذي لا تَصبَحينا

الصبن: الصرف، يقول بأن أم عمرو صرفت عنه الكأس وكان الكأس يدار بدءاً باليمين فأدارته بدءاً من اليسار، ويقول بأن الذي أخرته ليس أشر الثلاثة الموجودين فلماذا أخرت سقيه في الصباح. [٤]


وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ

وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا

وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَنايا

مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا

يقول كم من كأس شربتها في بعلبك وكم من كأس شربتها في دمشق وقاصرين وهي أسماء بلدات، والموت سوف يدركنا عاجلاً أو آجلاً فالموت مقدرٌ لنا ونحن مقدرون له. [٤]


قِفي قَبلَ التَفَرُّقِ يا ظَعينا

نُخَبِّركِ اليَقينا وَتُخبِرينا

قِفي نَسأَلكِ هَل أَحدَثتِ صَرم

لِوَشكِ البَينِ أَم خُنتِ الأَمينا

الظعينة: المرأة في الهودج، يقول قفي يا من أردت الرحيل نحادثك وتحادثينا بلا كذبٍ. [٤]

الصرم: القطيعة، والوشك: السرعة، والوشيك: السريع، والأمين: بمعنى المأمون، يقول لها قفي كي نسألك هل قطيعتك لاقتراب الفراق، أم خنت الذي كان ائتمنك من قبل. [٤]


بِيَومِ كَريهَةٍ ضَرباً وَطَعناً

أَقَرَّ بِهِ مَواليكِ العُيونا

الكريهة: من أسماء الحرب، يقول بأن أولاد عمك يوم الحرب أقروا العيون وأسعدوا القلوب بضرب الأعداء بالرماح وطعنهم بالسيوف. [٤]


وَإنَّ غَداً وَإِنَّ اليَومَ رَهنٌ

وَبَعدَ غَدٍ بِما لا تَعلَمينا

يقول بأن اليوم وفي المستقبل سيبلون البلاء الحسن في الحرب بما لا تعلمين به. [٤]


تُريكَ إِذا دَخَلتَ عَلى خَلاءٍ

وَقَد أَمِنَت عُيونَ الكاشِحينا

ذِراعَي عَيطَلٍ أَدماءَ بِكرٍ

هِجانِ اللَونِ لَم تَقرَأ جَنينا

الكاشح: المضمر العداوة، والعيطل طويل العنق من النوق، والأدماء: البيضاء، والهجان: الأبيض الخالص البياض، يقول ستريك هذه المرأة إذا دخلت عليها وحيدةً وأمنت من عيون أعدائها والواشين بها ذراعين ممتلئتين باللحم كذراعي ناقةٍ طويلة، بكرٌ لم تلد بعد، وهي بيضاء خالصة البياض، وهذه التي ذكرها من علامات الجمال. [٤]


وَثَدياً مِثلَ حُقِّ العاجِ رَخصاً

حَصاناً مِن أَكُفِّ اللامِسينا

وَمَتنَي لَدنَةٍ سَمَقَت وَطالَت

رَوادِفُها تَنوءُ بِما وَلينا

رخصا: لينا، حصانا: عفيفة، واللدن: اللين، والنوء: النهوض في تثاقل، ستريك ثدياً أبيض كالعاج، لين الملمس، وهي العفيفة الحصان التي لم يلمسها أحدٌ من قبل، وأكتافها لينةٌ ارتفعت وطالت، وأردافها ممتلئةٌ يتثاقل جسمها في قيامها بسببها. [٤]


وَمَأكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنه

وَكَشحاً قَد جُنِنتُ بِهِ جُنونا

وَساريَتَي بَلَنطٍ أَو رُخامٍ

يَرِنُّ خُشاشُ حَليِهِما رَنينا

المأكمة: رأس الورك، والكشح: الخصر، والبلنط: العاج. السارية: الأسطوانة والجمع السواري. الرنين: الصوت، يقول أنَّ الباب لا يدخلها لعرض وركيها، كما أن لها خصرًا نحيلًا يسبب الجنون، أما عن ساقيها فهما طويلان كالسارية التي صنعت من الرخام أو العاج في نعومة الملمس، وقد تحليا بالحلي الذي يرن صوتها ويصدر الخشخشة. [٤]


فَما وَجَدَت كَوَجدي أُمُّ سَقبٍ

أَضَلَّتهُ فَرَجَّعَتِ الحَنينا

السقب: الصبي، والترجيع: ترديد الصوت، والحنين: صوت المتوجع، يشبه حنينه واشتياقه للمرأة التي فارقته بحنين المرأة التي فقدت ابنها وهي نبحث عنه وتبكي بحرقة واختناق.[٤]


وَلا شَمطاءُ لَم يَترُك شَقاه

لَها مِن تِسعَةٍ إَلّا جَنينا

الشمط: بياض الشعر. الجنين: المستور في القبر، ويشبه اشتياقه لمحبوبته باشتياق عجوزٍ شمطاء فقدت تسعة أبناء وتبكي على قبر ابنها الأخير. [٤]


تَذَكَّرتُ الصِبا وَاِشتَقتُ لَمّا

رَأَيتُ حُمولَها أُصُلاً حُدينا

الحمول: جمع حامل، يريد إبلها، يقول تذكرت الهوى والعشق واشتقت له لما رأيت الحداة يسوقون إبلها ليرتحلون. [٤]


فَأَعرَضَتِ اليَمامَةُ وَاِشمَخَرَّت

كَأَسيافٍ بِأَيدي مُصلِتينا

أعرضت: ظهرت، اشمخرت: ارتفعت. أصلت السيف: سللته، يقول ظهرت لنا قرى اليمامة وارتفعت، وشبهها بالأسياف التي يحملها الرجال وقد استلوها من أغمادها. [٤]


أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا

وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا

أبا هند: الملك عمرو بن هند،أنظرنا: أمهلنا يقول يا أبا هندٍ أمهلنا قليلاً نخبرك الأخبار اليقينية عن بلائنا في الحرب. [٤]


بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضا

وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا

الراية: العَلَم، يقول بأنهم في الحروب يقدمون راياتهم البيضاء في الحروب وتخرج منها مرتفعةً وقد تخضبت باللون الأحمر من دماء الأعداء وهذا البيت هو المقصود باليقين في البيت السابق. [٤]


وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ

عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا

الغر بمعنى المشاهير كالخيل الغر لاشتهارها فيما بين الخيل، يقول وكم من وقعةٍ لنا مشهورةً عصينا الملوك فيها وأبينا أن ندين له. [٤]


وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ

بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا

تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ

مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا

العاكف: المقيم، والصفون: الخيل حين تقف على ثلاثة قوائم وتثني الرابعة، يقول وكم من سيد قومٍ توجوه عليهم ليحميهم من الأعداء حاصرناه بخيلنا وأقمنا على حصاره وأوقفنا الخيل صفوناً حتى قهرناه. [٤]


وَأَنزَلنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ

إِلى الشاماتِ تَنفي الموعِدينا

يقول بأنهم بنوا بيوتهم بمكان اسمه ذي طلوح في منطقة الشامات لنحمي أنفسنا من الذين توعدونا، وهم في ذلك يظهرون مكانهم لا يخافون من أعدائهم.[٤]



المراجع

  1. الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 213. بتصرّف.
  2. علي الجندي، في تاريخ الأدب الجاهلي، صفحة 317. بتصرّف.
  3. عمرو بن كلثوم، "ألا هبي بصحنك فاصبحينا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2022. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق الزوزني، شرح المعلقات السبع، صفحة 215- 222. بتصرّف.
9000 مشاهدة
للأعلى للأسفل