محتويات

قصيدة نار القرى
يقول إيليا أبو ماضي:
روحي التي بالأمس كانت ترتع
- في الغاب مثل الظبية القمراء
 
تقتات بالثمر الجنّي فتشبع
- ويبلّ غلّتها رشاش الماء
 
نظرت إليك فأصبحت لا تقنع
- بالماء والأفياء في الغبراء
 
تصغي وتنصت، والحمامة تسجع
- إصغاؤها لك ليس للورقاء
 
ناديتها، فلها إليك تطلّع
- هذا التطلع كان أصل شقائي
 
جنّحتي كيما أطير فلم أطر
- هيهات إنك قد طويت سمائي
 
قد كان يسبيني الجمال الرائع
- حتى لمحتك فهو لا يسيبني
 
عصفت بصدري لليقين زوابع
- ثلّث عروش توهمي وظنوني
 
فأنا على ما ضاع مني جازع
- إن الذي قد ضاع جدّ ثمين
 
لولاك ما مات الخيال اليافع
- أفتعجبين إذا كرهت يقيني
 
هذا صنيعك بي، فما أنا صانع
- قد شاء بحرك أن تضلّ سفيني
 
جرّدت هذا الطين من أوهامه
- وكبرت عن قارورة من طين
 
كيف الوصول إليك يا نار القرى
- أنا في الحضيض وأنت في الجوزاء
 
لي ألف باصرة تحنّ كما ترى
- لكنّ دونك ألف ألف غطاء
 
لو من ثرى، مزّقتها بيد الثرى،
- لكنها سُجُفٌ من الأضواء
 
ساءلت قلبي إذ رأى فتحّيرا
- ماذا شربت فمدت؟ قال: دمائي
 
يا ليته قد ظلّ أعمى كالورى
- فلقد نعمت، وكان في ظلماء
 
قد شوشت كفّ النهار سكينتي
- يا هذه، ردّي إلّي مسائي
 
أمسيت حين لمستني بيديك
- لي ألف باصرة وألف جناح
 
ولمحت نار الوحي في عينيك
- والوحي كان سلافة الأرواح
 
فتشرت أجنحي وحمت عليك
- متوهما أني وجدت صباحي
 
قذ كان حتفي في الدنو إليك
- حتف الفراشة في فم المصباح
 
فسقطت مرتعشا على قدميك
- النار مهدي والدخان وشاحي
 
يا ليت نورك حين أحرقني انطوى
- فعلى ضيائك قد لمست جراحي
 
قصيدة العيون السود
ليت الذي خلق العــــيون الســــــودا
- خــلق القلـوب الخافقات حديداً
 
لولا نواعـسها ولولا سـحرها
- ما ود مالك قـــلبه لو صيدا
 
عَـــــوذْ فؤادك من نبال لحاظها
- أو مـتْ كما شاء الغرام شهيداً
 
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهــــــم
- كنت امرءاً خشن الطباع، بليدا
 
وإذا طلبت مع الصـبابة لـــذةً
- فــلقد طلبت الضائع الموجودا
 
يــا ويح قـلبي إنـه في جانبي
- وأظــنه نائي المزار بعـيداً
 
مستوفزٌ شوقاً إلى أحبابه
- المـــرء يكره أن يعيش وحيداً
 
بـــــــرأ الإله له الضلوع وقايةً
- وأرته شقوته الضلوع قيوداً
 
فإذا هفا برق المنى وهفا له
- هـاجت دفائنه عليه رعودا
 
جــــشَّمتُهُ صبراً فـــــلما لم يطقْ
- جـشمته التصويب والتصعيدا
 
لــو أســتطيع وقـيته بطش الهوى
- ولو استطاع سلا الهوى محمودا
 
هي نظرة عَرَضت فصارت في الحشا
- نــاراً وصـار لها الفـــؤاد وقودا
 
والحــبٌ صوتٌ، فهـو أنةُ نائحٍ
- طوراً وآونــــة يكون نشــــيدا
 
يهــــب البــواغم ألسـناً صداحة
- فــــإذا تجنى أسكت الغريدا
 
ما لي أكلف مهـجــتي كتم الأسى
- إن طــــال عهد الجرح صار صديداً
 
ويــلذُّ نفــــــسي أن تكون شـــقيةً
- ويلــذ قلبي أن يكون عميداً
 
إن كنت تدري ما الغـرام فداوني
- أو، لا فخل العذل والتفنيدا
 
قصيدة السجينة
لعمرك ما حزني لمال فقدته
- ولا خان عهدي في الحياة حبيب
 
ولكنّني أبكي وأندب زهرة
- جناها ولوع بالزهور لعوب
 
رآها يحلّ الفجر عقد جفونها
- ويلقي عليها تبره فيذوب
 
وينقض عن أعطافها النور لؤلؤا
- من الطلّ ما ضمت عليه جيوب
 
فعالجها حتى استوت في يمينه
- وعاد إلى مغناه وهو طروب
 
وشاء فأمست في الإناء سجينة
- لتشبع منها أعين وقلوب
 
ثوت بين جدران كقلب مضيمها
- تلّمس فيها منفذا فتخيب
 
فليست تحيي الشمس عند شروقها
- وليست تحيي الشمس حين تغيب
 
ومن عصيت عيناه فالوقت كلّه
- لديه، وإن لاح الصباح، غروب
 
لها الحجرة الحسناء في القصر إنما
- أحب إليها روضة وكثيب
 
وأجمل من نور المصابيح عندها
- حباحب تمضي في الدجى وتؤوب
 
ومن فتيات القصر يرقص حولها
- على نغمات كلهنّّ عجيب
 
تراقص أغصان الحديقة بكرة
- وللريح فيها جيئة وذهوب
 
وأجمل منهنّ الفراشات في الضحى
- لها كالأماني سكنة ووثوب
 
وأبهى من الديباج والخزّ عندها
- فراشٌ من العشب الخضيل رطيب
 
وأحلى من السقف المزخرف بالدمى
- فضاءٌ تشعّ الشهب فيه رحيب
 
تحنّ إلى مرأى الغدير وصوته
- وتحرم منه، والغدير قريب
 
وليس لها للبؤس في نسم الرّبى
- نصيب، ولم يسكن لهنّ هبوب
 
إذا سقيت زادت ذبولا كأنما
- يرشّ عليها في المياه لهيب
 
وكانت قليل الطلّ ينعش روحها
- وكانت بميسور الشّعاع تطيب
 
بها من أنوف الناشقين توعّك
- ومن نظرات الفاسقين ندوب
 
تمشّى الضنى فيها وأيار في الحمى
- وجفّت وسربال الربيع قشيب
 
ففيها كمقطوع الوريدين صفرة
- وفيها كمصباح البخيل شحوب
 
أيا زهرة الوادي الكئيبة إنني
- حزين لما صرت إليه كئيب
 
وأكثر خوفي أن تظني بني الورى
- سواء، وهم مثل النبات ضروب
 
وأعظم حزني أنّ خطبّك بعده
- مصائب شتّى لم تقع وخطوب
 
سيطرحك الإنسان خارج داره
- إذا لم يكن فيك العشية طيب
 
فتمسين للأقذار فيك ملاعب
- وفي صفحتك للنعال ضروب
 
إسارك، يا أخت الرياحين، مفجع
- وموتك، يا بنت الربيع، رهيب
 
قال السماء كئيبة وتجهما
قالَ: السماءُ كئيبةٌ وتجهما
- قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهم في السما
 
قال: الصبا ولّى فقلت له: ابتــسمْ
- لن يرجعَ الأسفُ الصبا المتصرما
 
قال: التي كانت سمائي في الهوى
- صارَتْ لنفسي في الغرام ِجــهنّما
 
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها
- قلبي فكيف أطيق أن أتبســما
 
قلـــت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها
- لقضيت عــــمرك كــله متألما
 
قال: الــتجارة في صراع هائل
- مثل المسافر كاد يقتله الـــظما
 
أو غادة مسلولة محــتاجة
- لدم، وتنفث كلما لهثت دما
 
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها
- وشفائها فإذا ابتسمت فربما
 
أيكون غيرك مجرماً وتبيت في
- وجل كأنك أنت صرت المجرما
 
قال: العدى حولي علت صيحاتهم
- أَأُسرُّ والأعداء حولي في الحمى
 
قلت: ابتسم لم يطلبوك بذمهم
- لو لم تكن منهم أجلّ وأعظما
 
قال: المواسم قد بدت أعلامها
- و تعرضت لي في الملابس والدمى
 
وعليّ للأحبابِ فرضٌ لازمٌ
- لكن كفّي ليس تملك درهما
 
قلت: ابتسم يكفيك أنك لم تزل
- حيًّا ولست من الأحبة معدما
 
قال: الليالي جرعتني علقما
- قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقما
 
فلعل غيرك إن رآك مرنّما
- طرح الكآبة جانبًا وترنما
 
أتُراك تغنم بالتبرم درهما
- أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما
 
يا صاح لا خطر على شفتيك أن
- تتثلما والوجه أن يتحطما
 
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى
- متلاطمٌ ولذا نحب الأنجما
 
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا
- يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما
 
قلت ابتسم مادامَ بينك والردى
- شبرٌ فإنك بعدُ لنْ تتبسّما
 
قصيدة غلط القائل إنا خالدون
غَلِطَ القائِلُ إِنّا خالِدونَ
- كُلُّنا بَعدَ الرَدى هَيُّ اِبنُ بَي
 
لَو عَرَفنا ما الَّذي قَبلَ الوُجود
- لَعَرَفنا ما الَّذي بَعدَ الفَناء
 
نَحنُ لَو كُنّا كَما قالوا نَعود
- لَم تَخَف أَنفُسُنا رَيبَ القَضاء
 
إِنَّما القَولُ بِأَنّا لِلخُلود
- فِكرَةٌ أَوجَدَها حُبُّ البَقاء
 
نَعشَقُ البُقيا لِأَنّا زائِلون
- وَالأَماني حَيَّةٌ في كُلِّ حَي
 
زَعَموا الأَرواحَ تَبقى سَرمَدا
- خَدعونا نَحنُ وَالشَمعُ سَواء
 
يَلبَثُ النورُ بِها مُتَّقِدا
- فَإِذا ما اِحتَرَقَت بادَ الضِياء
 
أَينَ كانَ النورُ أَنّى وُجِدا
- كَيفَ وَلّى عِندَما زالَ البِناء
 
شَمعَتي فيها لِطُلّابِ اليَقين
- أَيَةٌ تَدفَعُ عَنهُم كُلَّ غَي
 
لَيسَتِ الروحُ سِوى هَذا الجَسَد
- مَعَهُ جاءَت وَمَعَهُ تَرجِعُ
 
لَم تَكُن مَوجودَةً قَبلَ وُجِد
- وَلِهَذا حينَ يَمضي تَتبَعُ
 
فَمَنِ الزورِ المُوَشّى وَالفَنَد
- قَولَنا الأَرواحُ لَيسَت تُصرَعُ
 
قصيدة أَلا لَيتَ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ دامِيا
أَلا لَيتَ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ دامِيا
- أَصابَ سُلُوّاً أَو أَصابَ الأَمانِيا
 
أَجَنَّ الأَسى حَتّى إِذا ضاقَ بِالأَسى
- تَدَفَّقَ مِن عَينَيَّ أَحمَرَ قانِيا
 
تَهيجُ بِيَ الذِكرى البُروقُ ضَواحِكاً
- وَتُغري بِيَ الوَجدُ الطُيورُ شَوادِيا
 
فَأَبكي لِما بي مِن جَوىً وَصَبابَةٍ
- وَأَبكي إِذا أَبصَرتُ في الأَرضِ باكِيا
 
فَلا تَحسِباني أَذرِفُ الدَمعَ عادَةً
- وَلا تَحسِباني أُنشِدُ الشِعرَ لاهِيا
 
وَلَكِنَّها نَفسي إِذا جاشَ جَأشُها
- وَفاضَ عَلَيها الهَمُّ فاضَت قَوافِيا
 
يَشُقُّ عَلى الإِنسانِ خَدعُ فُؤادِهِ
- وَإِن خادَعَ الدُنيا وَداجى المَداجِيا
 
طَلَبتُ عَلى البَلوى مَعيناً فَفاتَني
- يُؤاسيكَ مَن يَحتاجُ فيكَ مُؤاسِيا
 
وَمَن لَم تُضَرِّسهُ الخُطوبُ بِنابِها
- يَظُنُّ شِكاياتِّ النُفوسِ تَشاكِيا
 
رُميتُ مِنَ الدُنيا بِما لَو قَليلُهُ
- رَمَيتُ بِهِ الأَيّامَ صارَت لَيالِيا
 
فَلا يَشتَكِ غَيري البُؤسَ فَإِنَّني
- ضَمِنتُ الرَزايا وَاِحتَكَرتُ العَوادِيا
 
تَمُرُّ اللَيالي لَيلَةً إِثرَ لَيلَةٍ
- وَأَحزانُ قَلبي باقِياتٍ كَما هِيا
 
وَلَو أَنَّ ما بِيَ الخَمرُ أَو بارَدُ اللَمى
- سَلَوتُ وَلَكِن أُمَّتي وَبِلادِيا
 
إِذا خَطَرَت مِن جانِبِ الشَرقِ نَفحَةٌ
- طَرِبتُ فَأَلقى مَنكِبايَ رِدائِيا
 
أَحِنُّ إِلى تِلكَ المَغاني وَأَهلِها
- وَأَشتاقُ مَن يَشتاقُ تِلكَ المَغانِيا
 
وَما سَرَّني أَنَّ المَلاهِيَ كَثيرَةٌ
- وَفي الشَرقِ قَومٌ يَجهَلونَ المَلاهِيا
 
إِذا مَثَّلوا وَالنَومُ يَأخُذُ مُقلَتي
- بِأَهدابِها أَمسَيتُ وَسنانَ صاحِيا
 
وَكَيفَ اِغتِباطُ المَرءِ لا أَهلَ حَولَهُ
- وَلا هُوَ مَن يَستَعذِبُ الصَفوَ نائِيا
 
قصيدة اِسأَلوها أَو فَاِسأَلوا مَضناها
اِسأَلوها أَو فَاِسأَلوا مَضناها
- أَيُّ شَيءٍ قالَت لَهُ عَيناها
 
فَهوَ في نَشوَةٍ وَما ذاقَ خَمراً
- نَشوةُ الحُبِّ هَذِهِ إِيّاها
 
ذاهِلُ الطَرفِ شارِدُ الفِكرِ لا يَل
- مَحُ حُسناً في الأَرضِ إِلّا رَآها
 
السَواقي لِكَي تُحَدِّثَ عَنها
- وَالأَقاحي لكَي تُذيعَ شَذاها
 
وَحَفيفُ النَسيمِ في مَسمَعِ
- الأَوراقِ نَجوى تَبُثُّها شَفَتاها
 
يُحسَبُ الفَجرُ قَبسَةً مِن سَناها
- وَنُجومُ السَماءِ بَعضَ حَلها
 
وَكَذاكَ الهَوى إِذا حَلَّ في الأَر
- واحِ سارَت في مَوكِبٍ مِن رُؤاها