محتويات

قصيدة ودع هريرة إن الركب مرتحل
يقول الأعشى في الغزل:
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ
- وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ
غَرّاءُ فَرعاءُ مَصقولٌ عَوارِضُها
- تَمشي الهُوَينا كَما يَمشي الوَجي الوَحِلُ
كَأَنَّ مِشيَتَها مِن بَيتِ جارَتِها
- مَرُّ السَحابَةِ لا رَيثٌ وَلا عَجَلُ
تَسمَعُ لِلحَليِ وَسواساً إِذا اِنصَرَفَت
- كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
لَيسَت كَمَن يَكرَهُ الجيرانُ طَلعَتَها
- وَلا تَراها لِسِرِّ الجارِ تَختَتِلُ
يَكادُ يَصرَعُها لَولا تَشَدُّدُها
- إِذا تَقومُ إِلى جاراتِها الكَسَلُ
إذا تُعالِجُ قِرناً ساعَةً فَتَرَت
- وَاِهتَزَّ مِنها ذَنوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ
مِلءُ الوِشاحِ وَصِفرُ الدَرعِ بَهكَنَةٌ
- إِذا تَأَتّى يَكادُ الخَصرُ يَنخَزِلُ
صَدَّت هُرَيرَةُ عَنّا ما تُكَلِّمُنا
- جَهلاً بِأُمِّ خُلَيدٍ حَبلَ مَن تَصِلُ
أَأَن رَأَت رَجُلاً أَعشى أَضَرَّ بِهِ
- رَيبُ المَنونِ وَدَهرٌ مُفنِدٌ خَبِلُ
نِعمَ الضَجيعُ غَداةَ الدَجنِ يَصرَعَها
- لِلَّذَةِ المَرءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ
هِركَولَةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مَرافِقُها
- كَأَنَّ أَخمَصَها بِالشَوكِ مُنتَعِلُ
إِذا تَقومُ يَضوعُ المِسكُ أَصوِرَةً
- وَالزَنبَقُ الوَردُ مِن أَردانِها شَمِلُ
ما رَوضَةٌ مِن رِياضِ الحَزنِ مُعشَبَةٌ
- خَضراءُ جادَ عَلَيها مُسبِلٌ هَطِلُ
يُضاحِكُ الشَمسَ مِنها كَوكَبٌ شَرِقٌ
- مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَبتِ مُكتَهِلُ
يَوماً بِأَطيَبَ مِنها نَشرَ رائِحَةٍ
- وَلا بِأَحسَنَ مِنها إِذ دَنا الأُصُلُ
عُلَّقتُها عَرَضاً وَعُلَّقَت رَجُلاً
- غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وَعَلَّقَتهُ فَتاةٌ ما يُحاوِلُها
- مِن أَهلِها مَيِّتٌ يَهذي بِها وَهِلُ
وَعُلِّقَتني أُخَيرى ما تُلائِمُني
- فَاِجتَمَعَ الحُبَّ حُبّاً كُلُّهُ تَبِلُ
فَكُلُّنا مُغرَمٌ يَهذي بِصاحِبِهِ
- ناءٍ وَدانٍ وَمَحبولٌ وَمُحتَبِلُ
قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها
- وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا رَجُلُ
يا مَن يَرى عارِضاً قَد بِتُّ أَرقُبُهُ
- كَأَنَّما البَرقُ في حافاتِهِ الشُعَلُ
لَهُ رِدافٌ وَجَوزٌ مُفأَمٌ عَمِلٌ
- مُنَطَّقٌ بِسِجالِ الماءِ مُتَّصِلُ
لَم يُلهِني اللَهوُ عَنهُ حينَ أَرقُبُهُ
- وَلا اللَذاذَةُ مِن كَأسٍ وَلا الكَسَلُ
قصيدة قلب عقيلة أقوام ذوي حسب
يقول أبو وجزة السعدي:
قَلبٌ عَقيلَةُ أَقوامٍ ذَوي حَسَبٍ
- يَرمي المَقانِبُ عَنها وَالأَراجيلُ
مِن كُلِّ بَيضاءَ مِخماصٍ لَها بَشَرٌ
- كَأَنَّهُ بِذَكيِّ المِسكِ مَغسولُ
فَالخَدُّ مِن ذَهَبٍ وَالثَغرُ من بَرَدٍ
- مُفَلَّجٌ واضِحُ الأَنيابِ مَصقولُ
كَأَنَّهُ حينَ يَستَسقي الضَجيعُ بِهِ
- بَعد الكَرى بِمدامِ الراحِ مَشمولُ
وَنَشرُها مِثلُ رَيّا رَوضَةٍ أُنُفٍ
- لَها بِفَيحان أَنوارٌ أَكاليلُ
فَهزَّ روقي رِماليٍّ كَأَنَّهُما
- عودا مَداوِس يَأصول وَيَأصولُ
صافي الأَديمِ هِجانٌ غَيرَ مَذبَحِهِ
- كَأَنَّهُ بِدَمِ المكنانِ مَمهولُ
عَزبُ المَراتِعِ نَظّارٌ أَطاعَ لَهُ
- مِن كُلِّ رابِيَةٍ مَكرٌ وَتَأويلُ
طَوراً وَطَوراً يَجوبُ العَفر من نَقَحٍ
- كَالسِند أَكبادُهُ هيمٌ هَراكيلُ
حَرفٌ مُلَيكيَّةٌ كَالفَحلِ تابَعَها
- في خِصبِ عامَينِ إِفراقٌ وَتَهميلُ
كَأَنَّما اِقورَّ مِن أَنساعِها لَهِقٌ
- مُزمَّعٌ بِسَوادِ اللَيلِ مَكمولُ
حَتّى إِذا ما دَنَت مِنهُ سَوابِقُها
- وَلِلّغامِ بِعطفَيه شَعاليلُ
قصيدة تذكرت ليلى والسنين الخواليا
يقول قيس بن الملوح:
تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا
- وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا
وَيَومٍ كَظِلِّ الرّمحِ قَصَّرتُ ظِلَّهُ
- بِلَيلى فَلَهّاني وَما كُنتُ لاهِيا
بِثَمدينَ لاحَت نارُ لَيلى وَصُحبَتي
- بِذاتِ الغَضى تُزجي المَطِيَّ النَواجِيا
فَقالَ بَصيرُ القَومِ أَلمَحتُ كَوكَباً
- بَدا في سَوادِ اللَيلِ فَرداً يَمانِيا
فَقُلتُ لَهُ بَل نارُ لَيلى تَوَقَّدَت
- بِعَليا تَسامى ضَوءُها فَبَدا لِيا
فَلَيتَ رِكابَ القَومِ لَم تَقطَعِ الغَضى
- وَلَيتَ الغَضى ماشى الرِكابَ لَيالِيا
فَيا لَيلَ كَم مِن حاجَةٍ لي مُهِمَّةٍ
- إِذا جِئتُكُم بِاللَيلِ لَم أَدرِ ماهِيا
خَليلَيَّ إِن تَبكِيانِيَ أَلتَمِس
- خَليلاً إِذا أَنزَفتُ دَمعي بَكى لِيا
فَما أُشرِفُ الأَيفاعَ إِلّا صَبابَةً
- وَلا أُنشِدُ الأَشعارَ إِلّا تَداوِيا
وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما
- يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا
لَحى اللَهُ أَقواماً يَقولونَ إِنَّنا
- وَجَدنا طَوالَ الدَهرِ لِلحُبِّ شافِيا
وَعَهدي بِلَيلى وَهيَ ذاتُ مُؤَصِّدٍ
- تَرُدُّ عَلَينا بِالعَشِيِّ المَواشِيا
فَشَبَّ بَنو لَيلى وَشَبَّ بَنو اِبنِها
- وَأَعلاقُ لَيلى في فُؤادي كَما هِيا
إِذا ما جَلَسنا مَجلِساً نَستَلِذُّهُ
- تَواشَوا بِنا حَتّى أَمَلَّ مَكانِيا
سَقى اللَهُ جاراتٍ لِلَيلى تَباعَدَت
- بِهِنَّ النَوى حَيثُ اِحتَلَلنَ المَطالِيا
وَلَم يُنسِني لَيلى اِفتِقارٌ وَلا غِنىً
- وَلا تَوبَةٌ حَتّى اِحتَضَنتُ السَوارِيا
وَلا نِسوَةٌ صَبِّغنَ كَبداءَ جَلعَداً
- لِتُشبِهَ لَيلى ثُمَّ عَرَّضنَها لِيا
خَليلَيَّ لا وَاللَهِ لا أَملِكُ الَّذي
- قَضى اللَهُ في لَيلى وَلا ما قَضى لِيا
قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها
- فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرِ لَيلى اِبتَلانِيا
وَخَبَّرتُماني أَنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ
- لِلَيلى إِذا ما الصَيفُ أَلقى المَراسِيا
فَهَذي شُهورُ الصَيفِ عَنّا قَدِ اِنقَضَت
- فَما لِلنَوى تَرمي بِلَيلى المَرامِيا
فَلَو أَنَّ واشٍ بِاليَمامَةِ دارُهُ
- وَداري بِأَعلى حَضرَمَوتَ اِهتَدى لِيا
وَماذا لَهُم لا أَحسَنَ اللَهُ حالُهُم
- مِنَ الحَظِّ في تَصريمِ لَيلى حَبالِيا
وَقَد كُنتُ أَعلو حُبَّ لَيلى فَلَم يَزَل
- بِيَ النَقضُ وَالإِبرامُ حَتّى عَلانِيا
فَيا رَبِّ سَوّي الحُبَّ بَيني وَبَينَها
- يَكونُ كَفافاً لا عَلَيَّ وَلا لِيا
فَما طَلَعَ النَجمُ الَّذي يُهتَدى بِهِ وَلا
- الصُبحُ إِلّا هَيَّجا ذِكرَها لِيا
وَلا سِرتُ ميلاً مِن دِمَشقَ وَلا بَدا
- سُهَيلٌ لِأَهلِ الشامِ إِلّا بَدا لِيا
وَلا سُمِّيَت عِندي لَها مِن سَمِيَّةٍ
- مِنَ الناسِ إِلّا بَلَّ دَمعي رِدائِيا
وَلا هَبَّتِ الريحُ الجُنوبُ لِأَرضِها
- مِنَ اللَيلِ إِلّا بِتُّ لِلريحِ حانِيا
فَإِن تَمنَعوا لَيلى وَتَحموا بِلادَها
- عَلَيَّ فَلَن تَحموا عَلَيَّ القَوافِيا
فَأَشهَدُ عِندَ اللَهِ أَنّي أُحِبُّها
- فَهَذا لَها عِندي فَما عِندَها لِيا
قَضى اللَهُ بِالمَعروفِ مِنها لِغَيرِنا
- وَبِالشَوقِ مِنّي وَالغَرامِ قَضى لَيا
وَإِنَّ الَّذي أَمَّلتُ يا أُمَّ مالِكٍ
- أَشابَ فُوَيدي وَاِستَهامَ فُؤادَيا
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ
- وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني
- أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها
- بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها
- وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها
- أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
خَليلَيَّ لَيلى أَكبَرُ الحاجِ وَالمُنى
- فَمَن لي بِلَيلى أَو فَمَن ذا لَها بِيا
لَعَمري لَقَد أَبكَيتِني يا حَمامَةَ ال
- عَقيقِ وَأَبكَيتِ العُيونَ البَواكِيا
خَليلَيَّ ما أَرجو مِنَ العَيشِ بَعدَما
- أَرى حاجَتي تُشرى وَلا تُشتَرى لِيا
وَتُجرِمُ لَيلى ثُمَّ تَزعُمُ أَنَّني
- سَلوتُ وَلا يَخفى عَلى النّاسِ ما بِيا
فَلَم أَرَ مِثلَينا خَليلَي صَبابَةٍ
- أَشَدَّ عَلى رَغمِ الأَعادي تَصافِيا
خَليلانِ لا نَرجو اللِقاءَ وَلا نَرى
- خَليلَينِ إِلّا يَرجُوانِ تَلاقِيا
وَإِنّي لَأَستَحيِيكِ أَن تَعرِضِ المُنى
- بِوَصلِكِ أَو أَن تَعرِضي في المُنى لِيا
يَقولُ أُناسٌ عَلَّ مَجنونَ عامِرٍ
- يَرومُ سُلوّاً قُلتُ أَنّى لِما بِيا
بِيَ اليَأسُ أَو داءُ الهُيامِ أَصابَني
- فَإِيّاكَ عَنّي لا يَكُن بِكَ ما بِيا
إِذا ما اِستَطالَ الدَهرُ يا أُمَّ مالِكٍ
- فَشَأنُ المَنايا القاضِياتِ وَشانِيا
إِذا اِكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم تَزَل
- بِخَيرٍ وَجَلَّت غَمرَةً عَن فُؤادِيا
فَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَشقَيتِ عِيشَتي
- وَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَنعَمتِ بالِيا
وَأَنتِ الَّتي ما مِن صَديقٍ وَلا عِداً
- يَرى نِضوَ ما أَبقَيتِ إِلّا رَثى لِيا
أَمَضروبَةٌ لَيلى عَلى أَن أَزورَها
- وَمُتَّخَذٌ ذَنباً لَها أَن تَرانِيا
إِذا سِرتُ في الأَرضِ الفَضاءِ رَأَيتُني
- أُصانِعُ رَحلي أَن يَميلَ حِيالِيا
يَميناً إِذا كانَت يَميناً وَإِن تَكُن
- شِمالاً يُنازِعنِ الهَوى عَن شِمالِيا
وَإِنّي لَأَستَغشي وَما بِيَ نَعسَةٌ
- لَعَلَّ خَيالاً مِنكِ يَلقى خَيالِيا
هِيَ السِحرُ إِلّا أَنَّ لِلسِحرِ رُقيَةً
- وَأَنِّيَ لا أُلفي لَها الدَهرَ راقَيا
إِذا نَحنُ أَدلَجنا وَأَنتِ أَمامَنا
- كَفا لِمَطايانا بِذِكراكِ هادِيا
ذَكَت نارُ شَوقي في فُؤادي فَأَصبَحَت
- لَها وَهَجٌ مُستَضرَمٌ في فُؤادِيا
أَلا أَيُّها الرَكبُ اليَمانونَ عَرَّجوا
- عَلَينا فَقَد أَمسى هَواناً يَمانِيا
أُسائِلُكُم هَل سالَ نَعمانُ بَعدَنا
- وَحُبَّ إِلَينا بَطنُ نَعمانَ وادِيا
أَلا يا حَمامَي بَطنِ نَعمانَ هِجتُما
- عَلَيَّ الهَوى لَمّا تَغَنَّيتُما لِيا
وَأَبكَيتُماني وَسطَ صَحبي وَلَم أَكُن
- أُبالي دُموعَ العَينِ لَو كُنتُ خالِيا
وَيا أَيُّها القُمرِيَّتانِ تَجاوَبا
- بِلَحنَيكُما ثُمَّ اِسجَعا عَلَّلانِيا
فَإِن أَنتُما اِسطَترَبتُما أَو أَرَدتُما
- لَحاقاً بِأَطلالِ الغَضى فَاِتبَعانِيا
أَلا لَيتَ شِعري ما لِلَيلى وَمالِيا
- وَما لِلصِبا مِن بَعدِ شَيبٍ عَلانِيا
أَلا أَيُّها الواشي بِلَيلى أَلا تَرى
- إِلى مَن تَشيها أَو بِمَن جِئتُ واشِيا
لَئِن ظَعَنَ الأَحبابُ يا أُمَّ مالِكٍ
- فَما ظَعَنَ الحُبُّ الَّذي في فُؤادِيا
فَيا رَبِّ إِذ صَيَّرتَ لَيلى هِيَ المُنى
- فَزِنّي بِعَينَيها كَما زِنتَها لِيا
وَإِلّا فَبَغِّضها إِلَيَّ وَأَهلَها
- فَإِنّي بِلَيلى قَد لَقيتُ الدَواهِيا
عَلى مِثلِ لَيلى يَقتُلُ المَرءُ نَفسَهُ
- وَإِن كُنتُ مِن لَيلى عَلى اليَأسِ طاوِيا
خَليلَيَّ إِن ضَنّوا بِلَيلى فَقَرِّبا
- لِيَ النَعشَ وَالأَكفانَ وَاِستَغفِرا لِيا
وإن متّ من داء الصبابة فأبلغا
- شبيهة ضوء الشّمس منّي سلاميا.
قصيدة ألا ليت ريعان الشباب جديد
يقول جميل بن المعمر:
ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ
- ودهراً تولّى، يا بثينَ، يعودُ
فنبقى كما كنّا نكونُ، وأنتمُ
- قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ
وما أنسَ، مِن الأشياء، لا أنسَ قولها
- وقد قُرّبتْ نُضْوِي: أمصرَ تريدُ؟
ولا قولَها: لولا العيونُ التي ترى،
- لزُرتُكَ، فاعذُرْني، فدَتكَ جُدودُ
خليلي، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ
- ودمعي بما أخفيَ، الغداة، شهيدُ
ألا قد أرى، واللهِ أنْ ربّ عبرةٍ
- إذا الدّار شطّتْ بيننا، ستَزيد
إذا قلتُ: ما بي يا بثينةُ قاتِلي،
- من الحبّ، قالت: ثابتٌ، ويزيدُ
وإن قلتُ: رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ
- تولّتْ وقالتْ: ذاكَ منكَ بعيد!
فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً،
- ولا حبّها فيما يبيدُ يبيدُ
جزتكَ الجواري، يا بثينَ، سلامةً
- إذا ما خليلٌ بانَ وهو حميد
وقلتُ لها، بيني وبينكِ، فاعلمي
- من الله ميثاقٌ له وعُهود
وقد كان حُبّيكُمْ طريفاً وتالداً،
- وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ
وإنّ عَرُوضَ الوصلِ بيني وبينها،
- وإنْ سَهّلَتْهُ بالمنى، لكؤود
وأفنيتُ عُمري بانتظاريَ وَعدها،
- وأبليتُ فيها الدّهرَ وهو جديد
فليتَ وشاة النّاسِ، بيني وبينها
- يدوفُ لهم سُمّاً طماطمُ سُود
وليتهمُ، في كلّ مُمسًى وشارقٍ،
- تُضاعَفُ أكبالٌ لهم وقيود
ويحسَب نِسوانٌ من الجهلِ أنّني
- إذا جئتُ، إياهنَّ كنتُ أريدُ
فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي
- وفي الصّدْرِ بَوْنٌ بينهنّ بعيدُ
ألا ليتَ شعري، هلَ أبيتنّ ليلةً
- بوادي القُرى؟ إني إذَنْ لَسعيد!
وهل أهبِطَنْ أرضاً تظَلُّ رياحُها
- لها بالثنايا القاوياتِ وئِيدُ؟
وهل ألقينْ سعدى من الدهرِ مرةً
- وما رثّ من حَبلِ الصّفاءِ جديدُ؟
وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ
- وقد تُدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيد
وهل أزجرنْ حرفاً علاةً شملةً
- بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ
على ظهرِ مرهوبٍ، كأنّ نشوزَهُ،
- إذا جاز هُلاّكُ الطريق، رُقُود
سبتني بعيني جؤذرٍ وسطَ ربربٍ
- وصدرٌ كفاثورِ اللجينَ جيدُ
تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها
- مُباهِية، طيَّ الوشاحِ، مَيود
إذا جئتُها، يوماً من الدهرِ، زائراً،
- تعرّضَ منفوضُ اليدينِ، صَدود
يصُدّ ويُغضي عن هواي، ويجتني
- ذنوباً عليها، إنّه لعَنود!
فأصرِمُها خَوفاً، كأنّي مُجانِبٌ،
- ويغفلُ عن مرةً فنعودُ
ومن يُعطَ في الدنيا قريناً كمِثلِها،
- فذلكَ في عيشِ الحياةِ رشيدُ
يموتُ الْهوى مني إذا ما لقِيتُها،
- ويحيا، إذا فرقتها، فيعودُ
يقولون: جاهِدْ يا جميلُ، بغَزوةٍ،
- وأيّ جهادٍ، غيرهنّ، أريدُ
لكلّ حديثِ بينهنّ بشاشةُ
- وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ
وأحسنُ أيامي، وأبهجُ عِيشَتي،
- إذا هِيجَ بي يوماً وهُنّ قُعود
تذكرتُ ليلى، فالفؤادُ عميدُ،
- وشطتْ نواها، فالمزارُ بعيدُ
علقتُ الهوى منها وليداً، فلم يزلْ
- إلى اليومِ ينمي حبه ويزيدُ
فما ذُكِرَ الخُلاّنُ إلاّ ذكرتُها،
- ولا البُخلُ إلاّ قلتُ سوف تجود
إذا فكرتْ قالت: قد أدركتُ ودهُ
- وما ضرّني بُخلي، فكيف أجود!
فلو تُكشَفُ الأحشاءُ صودِف تحتها،
- لبثنةَ حبُ طارفٌ وتليدُ
ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني
- أُضاحكُ ذِكراكُمْ، وأنتِ صَلود؟
فهلْ ألقينْ فرداً بثينةَ ليلةً
- تجودُ لنا من وُدّها ونجود؟
ومن كان في حبّي لبُثينة َ يَمتري،
- فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ.
قصيدة حبيبتي لديَّ شيءٌ كثيرْ
يقول نزار قباني:
- حبيبتي، لديَّ شيءٌ كثيرْ..
- أقولُهُ، لديَّ شيءٌ كثيرْ..
- من أينَ؟ يا غاليتي أَبتدي
- وكلُّ ما فيكِ.. أميرٌ.. أميرْ
- يا أنتِ يا جاعلةً أَحْرُفي
- ممّا بها شَرَانِقاً للحريرْ
- هذي أغانيَّ وهذا أنا
- يَضُمُّنا هذا الكِتابُ الصغيرْ
- غداً.. إذا قَلَّبْتِ أوراقَهُ
- واشتاقَ مِصباحٌ وغنّى سرير..
- واخْضَوْضَرَتْ من شوقها، أحرفٌ
- وأوشكتْ فواصلٌ أن تطيرْ
- فلا تقولي: يا لهذا الفتى
- أخْبرَ عَنّي المنحنى والغديرْ
- واللّوزَ.. والتوليبَ حتى أنا
- تسيرُ بِيَ الدّنيا إذا ما أسيرْ
- وقالَ ما قالَ فلا نجمةٌ
- إلاّ عليها مِنْ عَبيري عَبيرْ
- غداً.. يراني الناسُ في شِعْرِهِ
- فَمَاً نَبيذِيّاً، وشَعْراً قَصيرْ
- دعي حَكايا الناسِ.. لَنْ تُصْبِحِي
- كَبيرَةً.. إلاّ بِحُبِّي الكَبيرْ
- ماذا تصيرُ الأرضُ لو لم نكنْ
- لو لَمْ تكنْ عَيناكِ... ماذا تصيرْ؟.
قصيدة صالت علينا العيون السود واحربا
يقول سليمان الصولة:
صالت علينا العيون السود واحربا
- واستودعت من هواها في الحشى لهبا
وغالبت بقناة القد فانتصرت
- وردية لخد والدنيا لمن غلبا
بكرٌ لها حدقٌ ما مسها أرقٌ
- في خدها شفقٌ يستعبد الأدبا
هيفاء لينة الأعطاف ناعمة ال
- أطراف تعشقها الأشراف والنُقَبا
ما شانها بشرٌ بل زانها خفرٌ
- في طرفها حورٌ للعالمين سبا
لم أنس زورتها والعين ما سرحت
- والشهب ما برحت من جلمة الرُقَبا
تفتر عن دررٍ في خاتمٍ عطرٍ
- ينجيك من ضررٍ إن جادك الضربا
كالروض حين جلا نواره وحلا
- والصبح حين على جيش الدجى وثبا
وصار برقعها من نور طلعتها
- لون اللجين إذا ردَّيته الذهبا
كم سحرةٍ ظهرت منها وقد سفرت
- ليلاً وقد هدرت قمرية طربا
باتت تذكرني عهد الصبا وصبا
- باتي التي جلبت لي بعده الوصبا
تسعى بنافعةٍ للهم دافعةٍ
- حمراء ساطعةٍ من ذاقها عجبا
مرت بفي فأبت نفسي تعاودها
- واشتاقت الريق فازدادت له طلبا
واستضحكت ونأت عني وما سمحت
- بالري إذ لمحت رأسي قد اشتهبا
كأن ما بيدي قد كان في صغري
- من لؤلؤٍ وغدا بالشيب مخشلبا