شعر ابن عربي عن الحب

شعر ابن عربي عن الحب

قصيدة: إذا كان عين الحب

إذا كان عين الحب ما ينتج الحب

فما ثَم من يهوى ولا مَن له حُبُّ

فإن التباسَ الأمر في ذاك بين

وقد ينتج البغضاءَ ما ينتج الحبُّ

ولكنه معنى لطيفٌ محققٌ

يقوم بسرِّ العبد يجهله القلبُ

لأنَّ له التقليب في كلِّ حالة

به فتراه حيثُ يحمله الركبُ

وذو الحب لم يبرحْ مع الحب ثابتًا

على كلِّ حال يرتضيها له الحب

فإنْ كان في وصل فذاك مرادُه

وإنْ كان في هجر فنارُ الهوى تخبو

شكورٌ لما يهواه منه حبيبُه

فليس له بُعدٌ وليس له قُربُ

ولكنه يهوى التقرُّبَ للذي

أتته به الآمالُ إذ تُسدل الحُجب

فيهوى شهودَ العين في كل نظرة

وما هو مستورٌ ويجهله الصَّب

فلو ذاقه علماً به وعلامة

له فيه لم يبرح له الأكلُ والشُّرب

ولكنه بالجهلِ خابت ظنونُه

فليس له فيما أفوه به شرب

فيطلبه من خارج وهو ذاته

وينتظر الإتيان إنْ جادتِ السُّحبُ

فلا خارجٌ عني ولا فيّ داخل

كذاتي من ذاتي كذا حكمه فاصبوا

إليه فلا علم سوى ما ذكرته

ولكنَّ صغير القومِ في بيته يحبو

فلو كان يمشي في الأمور منفذًا

لما كان يعميه عن إدراكه الذَّنب



قصيدة: من لي بمخضوبة البنان

مَن لي بَمَخضوبَةِ البَنانِ

مَن لي بِمَعسولَةِ اللِسانِ

مِن كاعِباتٍ ذَواتِ خِدرٍ

نَواعِمٍ خُرَّدٍ حِسانِ

بُدورُ تَمٍّ عَلى غُصونٍ

هُنَّ مِنَ النَقصِ في أَمانِ

بِرَوضَةٍ مِن دِيارِ جِسمي

حَمامَةٌ فَوقَ غُصنِ بانِ

تَموتُ شَوقاً تَذوبُ عِشقًا

لِما دَهاها الَّذي دَهاني

تَندُبُ إِلفًا تَذُمُّ دَهرًا

رَماها قَصداً بِما رَماني

فِراقُ جارٍ وَنَأيُ دارٍ

فَيا زَماني عَلى زَماني

مَن لي بِمَن يَرتَضي عَذابي

ما لي بِما يَرتَضي يَدانِ



قصيدة: مرضى من مريضة الأجفان

مَرَضي مِن مَريضَةِ الأَجفانِ

عَلِّلاني بِذِكرِها عَلِّلاني

هَفَتِ الوُرقُ بِالرِياضِ وَناحَت

شَجوُ هذا الحَمامِ مِمّا شَجاني

بِأَبي طَفلَةٌ لَعوبٌ تَهادى

مِن بَناتِ الخُدورِ بَينَ الغَواني

طَلَعَت في العِيانِ شَمساً فَلَمّا

أَفلَت أَشرَقَت بِأُفقِ جَناني

يا طُلولاً بِرامَةٍ دارِساتٍ

كَم رَأَت مِن كَواعِبٍ وَحِسانِ

بِأَبي ثُمَّ بي غَزالٌ رَبيبٌ

يَرتَعي بَينَ أَضلُعي في أَمانِ

ما عَلَيهِ مِن نارِها فَهوَ نورٌ

هكَذا النورُ مُخمِدُ النيرانِ

يا خَليلَيَّ عَرَّجا بِعِناني

لَأَرى رَسمَ دارِها بِعَياني

فَإِذا ما بَلَغتُما الدارَ حُطّا

وَبِها صاحِبَيَّ فَلتَبكِياني

وَقِفا بي عَلى الطُلولِ قَليلًا

نَتَباكى بَل أَبكي مِمّا دَهاني

الهَوى راشِقي بِغَيرِ سِهامٍ

الهَوى قاتِلي بِغَيرِ سِنانِ

عَرَّفاني إِذا بَكَيتُ لَدَيها

تُسعِداني عَلى البُكا تُسعِداني

وَاِذكُرا لي حَديثَ هِندٍ وَلُبنى

وَسُلَيمى وَزَينَبٍ وَعِنانِ

ثُمَّ زيداً مِن حاجِرٍ وَزَرودٍ

خَبراً عَن مَراتِعِ الغِزلانِ

وَاِندُباني بِشِعرِ قَيسٍ وَلَيلى

وَبِمَيٍّ وَالمُبتَلى غَيلانِ

طالَ شَوقي لِطَفلَةٍ ذاتِ نَثرٍ

وَنِظامٍ وَمِنبَرٍ وَبَيانِ

مِن بَناتِ المُلوكِ مِن دارِ فُرسٍ

مِن أَجَلَّ البِلادِ مِن أَصبَهانِ

هِيَ بِنتُ العِراقِ بِنتُ إِمامي

وَأَنا ضِدُّها سَليلُ يَماني

هَل رَأَيتُم يا سادَتي أَو سَمِعتُم

أَنَّ ضِدَّينِ قَطُّ يَجتَمِعانِ

لَو تَرانا بِرامَةٍ نَتَعاطى

أَكَؤساً لِلهَوى بِغَيرِ بَنانِ

وَالهَوى بَينَنا يَسوقُ حَديثًا

طَيِّباً مُطرِباً بِغَيرِ لِسانِ

لَرَأَيتُم ما يَذهَبُ العَقلُ فيهِ

يَمَنٌ وَالعِراقُ مُعتَنِقانِ

كَذِبَ الشاعِرُ الَّذي قالَ قَبلي

وَبِأَحجارِ عَقلِهِ قَد رَماني

أَيُّها المُنكِحُ الثُرَيّا سُهَيلًا

عَمرَكَ اللَهَ كَيفَ يَلتَقِيانِ

هِيَ شامِيَّةٌ إِذا ما اِستَهَلَّت

وَسُهَيلٌ إِذا اِستَهَلَّ يَماني



قصيدة: سلام على سلمى

سَلامٌ عَلى سَلمى وَمَن حَلَّ بِالحِمى

وَحُقَّ لِمِثلي رِقَّةً أَن يُسَلِّما

وَماذا عَلَيها أَن تَرُدُّ تَحِيَّةً

عَلَينا وَلكِن لا اِحتِكامَ عَلى الدُمى

سَروا وَظَلامُ اللَيلِ أَرخى سُدولَهُ

فَقُلتُ لَها صَبّاً غَريباً مُتَيَّما

أَحاطَت بِهِ الأَشواقُ صَوتاً وَأُرصِدَت

لَهُ راشِقاتُ النَبلِ أَيّانُ يَمَّما

فَأَبدَت ثَناياها وَأَومَضَ بارِقٌ

فَلَم أَدرِ مَن شَقَّ الحَنادِسَ مِنهُما

وَقالَت أَما يَكفيهِ أَنّي بِقَلبِهِ

يُشاهِدُني في كُلِّ وَقتٍ أَما أَما


قصيدة: إن الحبيب هو الوجود المجمل

إنَّ الحبيبَ هو الوجودُ المجملُ

وشخوصُ أعيانِ الكيانِ تفصلُ

ما منهمُ أحدٌ يحبُّ حبيبه

إلا وللمحبوبِ عينٌ تعقلُ

في عينِ من هو ذاتنا وصفاتنا

ووجودنا وهو الحبيبُ الأكمل

وقف الهوى بي حيث كان وجودُه

في موقفٍ عنه الطواغيت تسفلُ

طرفُ الذي يهوى سماك رامح

وفؤادُ من يهوى سماك أعزل

ما إن يرى من عارف الإله

بين المنازلِ في المجرة منزل

لمقام من يرجى العلو لذاته

ومقام من يرجو المقام الأنزل

من كان لا يبني لذلك عندنا

هذا هو العلمُ الذي لا يجهل

والله لو ترك العباد نفوسهم

لرأيتهم وهم الرجالُ الكمل

نصر الإله فريضته مكتوبة

فانصر فإنك بعده لا تخذل

نص الرسول على الذي قد قلته

وبذاك قد جاء الكتاب المنزل

جاء الكتاب مصدِّقا لمقاله

وعليه أهلُ الله فيه عوَّلوا

ما من كتابٍ قد أضيفَ منزلٌ

لله إلا والقرآن الأفضلُ

والفضلُ فيه بأنه يجري على

ما ليس يحويه الكتابُ الأول

كره النبيُّ الفعلَ من عبد أتى

بصحيفةٍ فيها دعاءٌ ينقل

من نص توراة وقال له اقتصر

فيما أتيتَ به الغنى والموئل

عصمَ الإله كتابنا من كلِّ تحريفٍ

وما عصمت فمالك يأفل

فاستغفر الله العظيم لما أتى

واستغفر الله لهذا المرسل

فنجا من الأمر الذي قد ضرَّه

عما أتاه به النبيُّ الأعدل

وكذاك ختم الأولياء كلامه

في الأولياءِ معظم متقبل

من ذاقَ طعم كلامه لم يسترب

في قولنا فهو الكلامُ الفيصلُ

من كان يعرف حاله ومقامَه

عن بابه وركابِه لا يعدل

من عظَّم الشرعُ المطهر قلبَه

تعظيمه فهو الإمام الجوّل

صفة المهيمن ههنا قامت به

والناسُ فيها يشهدون العقل



قصيدة: ألا يا بانة الوادي

أَلا يا بانَةَ الوادي

بِشاطي نَهرِ بَغدادِ

شَجاني فيكِ مَيّادٌ

طَروبٌ فَوقَ مَيّادِ

يُذَكِّرُني تَرَنُّمُهُ

تَرَنُّمَ رَبَّةِ النادي

إِذا اِستَوَت مَثالِثُها

فَلا تَذكُر أَخا الهادي

وَإِن جادَت بِنَغمَتِها

فَمِن أَنجِشَةِ الحادي

بِذي الخَصَماتِ مِن سَلمى

يَميناً ثُمَّ سِندادِ

لَقَد أَصبَحتُ مَشغوفًا

بِمَن سَكَنَت بِأَجيادِ

غَلِطنا إِنَّما سَكَنَت

سُوَيدا خِلبِ أَكبادِ

لَقَد تاهَ الجَمالُ بِها

وَفاحَ المِسكُ وَالحادي



قصيدة: ألا يا نسيم الريح

أَلا يا نَسيمَ الريحِ حُكمُكَ جائِرٌ

عَلَيَّ إِذا أَرضَيتَني وَرَضيتُ

أَلا يا نَسيمَ الريحِ لَو أَنَّ واحِدًا

مِنَ الناسِ يُبليهِ الهَوى لَبَليتُ

فَلَو خُلِطَ السَمُّ الزُعافُ بِريقِها

تَمَصَّصتُ مِنهُ نَهلَةً وَرَويتُ



قصيدة: كان لي قلب

كان لي قلبٌ فلما ارتحل

بقي الجسمُ محلّ العِلل

كان بدراً طالعاً إذ أتى

مغرب التوحيد ثم أفل

زاده شوقاً إلى ربّه

صاحبُ الصعقة يومَ الجبل

لم يزل يشكو الجوى والنوى

ليلةَ الإثنين حتى اتصل

فدنا من حضرةٍ لم تزل

تهبُ الأرواحَ سرّ الأزلْ

قرعَ الأبوابَ لمّا دنا

قيل من أنت فقال الحجل

قيل أهلاً سعة مرحبًا

فُتح البابُ فلما دخل

خرَّ في حضرته ساجدًا

وانمحى رسم البقا وانسجل

وشكا العهد فجاء النِدا

يا عبيدي زال وقتُ العمل

رأسك ارفع هذه حضرتي

وأنا الحقُّ فلا تنتعل

رأسك ارفع ما الذي تبتغي

قلت مولاي حلولُ الأجل

قال سجني قال مت واعلمن

أنّ في السجنِ بلوغَ الأمل

يا فؤادي قد وصلت له

قل له قولَ حبيبٍ مُدِل

لولا ذاتي لم يصح استوى

وبنوري صح ضربُ المثَل


قصيدة: ألا هل إلى الزهر الحسان سبيل

أَلا هَل إِلى الزُهرِ الحِسانِ سَبيلُ

وَهَل لي عَلى آثارِهِنَّ دَليلُ

وَهَل لي بِخَيماتِ اللِوى مِن مَعَرَّسٍ

وَهَل لِيَ في ظِلِّ الأَراكِ مَقيلُ

فَقالَ لِسانُ الحالِ يُخبِرُ أَنَّها

تَقولُ تَمَنَّ ما إِلَيهِ سَبيلُ

وَدادي صَحيحٌ فيكِ يا غايَةَ المُنى

وَقَلبِيَ مِن ذاكَ الوَدادِ عَليلُ

تَعالَيتَ مِن بَدرٍ عَلى القُطبِ طالِعٍ

وَلَيسَ لَهُ بَعدَ الطُلوعِ أُفولُ

فَديتُكَ يا مَن عَزَّ حُسناً وَنَخوَةً

فَلَيسَ لَهُ بَينَ الحِسانِ عَديلُ

فَرَوضُكَ مَطلولٌ وَوَردُكَ يانِعٌ

وَحُسنُكَ مَعشوقٌ عَلَيهِ قُبولُ

وَزَهرُكَ بَسّامٌ وَغُصنُكَ ناعِمٌ

تَميلُ لَهُ الأَرواحُ حَيثُ يَميلُ

وَظَرفُكَ فَتّانٌ وَطَرفُكَ صارِمٌ

بِهِ فارِسُ البَلوى عَلَيَّ يَصولُ


قصيدة: إذا ما التقينا للوداع

إِذا ما اِلتَقَينا لِلوَداعِ حَسِبتَنا

لَدى الضَمِّ وَالتَعنيقِ حَرفاً مُشَدَّدا

فَنَحنُ وَإِن كُنّا مُثَنّى شَخوصُنا

فَما تَنظُرُ الأَبصارُ إِلّا مُوَحَّدا

وَما ذاكَ إِلّا مِن نُحولي وَنورُهُ

فَلَولا أَنيني ما رَأَت لِيَ مَشهَدا



قصيدة: إذا كان عين الحب

إذا كان عين الحب ما ينتج الحب

فما ثَم من يهوى ولا مَن له حُبُّ

فإن التباسَ الأمر في ذاك بين

وقد ينتج البغضاءَ ما ينتج الحبُّ

ولكنه معنى لطيفٌ محققٌ

يقوم بسرِّ العبد يجهله القلبُ

لأنَّ له التقليب في كلِّ حالة

به فتراه حيثُ يحمله الركبُ

وذو الحب لم يبرحْ مع الحب ثابتًا

على كلِّ حال يرتضيها له الحب

فإنْ كان في وصل فذاك مرادُه

وإنْ كان في هجر فنارُ الهوى تخبو

شكورٌ لما يهواه منه حبيبُه

فليس له بُعدٌ وليس له قُربُ

ولكنه يهوى التقرُّبَ للذي

أتته به الآمالُ إذ تُسدل الحُجب

فيهوى شهودَ العين في كل نظرة

وما هو مستورٌ ويجهله الصَّب

فلو ذاقه علماً به وعلامة

له فيه لم يبرح له الأكلُ والشُّرب

ولكنه بالجهلِ خابت ظنونُه

فليس له فيما أفوه به شرب

فيطلبه من خارج وهو ذاته

وينتظر الإتيان إنْ جادتِ السُّحبُ

فلا خارجٌ عني ولا فيّ داخل

كذاتي من ذاتي كذا حكمه فاصبوا

إليه فلا علم سوى ما ذكرته

ولكنَّ صغير القومِ في بيته يحبو

فلو كان يمشي في الأمور منفذًا

لما كان يعميه عن إدراكه الذَّنب


المراجع

5000 مشاهدة
للأعلى للأسفل