محتويات

تعريف بصلاة الاستسقاء
معنى صلاة الاستسقاء
يأتي الاستسقاء في اللُّغة بمعنى طلب سُقيا الماء، سواءً كان ذلك من الله تعالى أو من النّاس، وأمّا في الاصطلاح: فهو دُعاء الله تعالى بطلب السُقيا منه على هيئةٍ وصفةٍ مخصوصةٍ، وذلك عند الحاجة إلى الماء،[١] ويكون الاستسقاء إما بالصّلاة؛ وتُسمّى بصلاة الاستسقاء، أو من خلال الدُّعاء في خُطبة الجُمعة، أو بالدُّعاء بعد الصّلوات، أو بالدّعاء من غير صلاةٍ ولا خُطبة.[٢]
سبب صلاة الاستسقاء
يؤدي المسلمون صلاة الاستسقاء عند القحط والجدب -أي الجفاف-، وانحباس المطر أو قلّته؛ بسبب حاجتهم الشديدة إلى الماء لسقي الناس والزرع والحيوان، وقد يكون انحباس المطر ابتلاءً من الله تعالى للنّاس بسبب ذنوبهم؛ فيلزمهم اللجوء إلى الله تعالى بالصلاة والدعاء؛ ليفرّج عنهم ويسقيهم.[٣]
حكم صلاة الاستسقاء ووقتها
ما حكم صلاة الاستسقاء؟
تُعدُّ صلاةُ الاستسقاء من السُّنن المؤكدة عن النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- عند جمهور الفقهاء، وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ليس للاستسقاء صلاة، وإنّما يُكتفى في الاستسقاء بِالدُّعاء فقط، وذهب جُمهور الفُقهاء إلى أنّ صلاة الاستسقاء سنّةٌ في الحضر -أي الإقامة- وفي السفر أيضاً عند الحاجة؛ لأنّ النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- أدّاها كما جاء في عددٍ من الأحاديث.[٣]
متى تُصلى صلاة الاستسقاء؟
يجوز أداء صلاة الاستسقاء في أيّ وقتٍ[٤] إلّا الأوقات المنهي عنها، وأفضل وقت لأدائها هو بعد طُلوع الشّمس بِمقدار رُمح، وهو قول جُمهور العُلماء،[٥] وذهب المالكيّة إلى أنّ وقتُها كوقت صلاة العيد؛ أيّ من طُلوع الشمس إلى زوالها -أي ميلها عن وسط السماء-، وذهب الشافعيّة إلى جواز صلاتها حتى وإن كان ذلك في وقت نهي؛ لأنّها من الصّلوات ذات السّبب،[٦]والأفضل أن لا تُصلّى في أوقات النّهي؛ خُروجاً من الخِلاف، وأن تُصلّى في وقت صلاة العيد في أوّل النّهار؛ لأنّهُما يتشابهان من حيث الموضع، والصِّفة، والوقت،[٧] وتُصلّى جماعةً وفُرادى، سواءً كانت في المسجد، أو في الصحراء وهو الأفضل.[٥]
ما الحكمة من مشروعية صلاة الاستسقاء؟
توجد العديد من الحِكم لِمشروعيّة صلاة الاستسقاء، ومنها ما يأتي:
- التضرّع إلى الله تعالى بطلب المطر عند انحباسه، وعند جدب الأرض،[٥] فيلجأ النّاس إلى الله تعالى بِخُشوعٍ وتذلُّل في يومٍ يُحدّدُه لهم الإمام بالصلاة وبالدعاء بنية أن يسقيهم الله تعالى ويغيثهم.[٢]
- الاستسقاء مظهر من مظاهر إظهار العبد لضعفه وافتقاره وتوجّههِ إلى ربّه بإخلاص.[٨]
صفة صلاة الاستسقاء وكيفيتها
تُؤدّى صلاةُ الاستسقاء ركعتين؛ يُكبّر المصلّي فيها في الرّكعة الأولى سبع تكبيرات، ثُمّ يقرأ بعدها الفاتحة وما تيسّر من القُرآن الكريم جهراً، ثُمّ يركع ويسجُد، ثُمّ يقوم للرّكعة الثانية ويكون فيها خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويفعل كما فعل في الرّكعة الأولى من الرُّكوع والسُّجود، ثُمّ ختاماً يقرأ التشهّد ويُسلّم،[٥] وذهب جُمهور الفُقهاء من الشافعيّة والمالكيّة وبعض الحنفيّة إلى قيام الإمام للخُطبة بعد الانتهاء من الصّلاة، وهناك من قال باستحباب تقديم الخُطبة على الصّلاة، وأمّا تفصيل كيفيتها عند الفُقهاء فهي كما يأتي:[٩]
- الشافعيّة: تُصلّى كصلاة العيد ركعتين، في الرّكعة الأولى سبع تكبيرات من غير تكبيرة الإحرام، ويُفصل بين التكبيرة والتي تليها بقدر قراءة آية مُعتدلة، ويُستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة قاف أو الأعلى، وأمّا الرّكعة الثانية فهي خمس تكبيرات من غير تكبيرة القيام، ويقرأ فيها بعد الفاتحة بسورة القمر أو الغاشية، ثُمّ يقوم الإمامُ للخُطبة بعد الانتهاء من الصّلاة، وتكون خُطبتين كالعيد، ولكن من غير تكبير، ويُسنّ قبل البدء بالخُطبتين الاستغفار.
- الحنفيّة: وقد تعدّدت أقوالهم فيها، فمنهم من ذهب إلى أنّها دُعاءٌ واستغفار من غير صلاة، وتكون باستقبال الإمام القبلة، ويدعو وهو قائم مع رفع يديه والناّس جُلوس يُؤمّنون على دُعائه، وذهب بعضهم إلى أنّها تُصلّى ركعتين.
- الحنابلة: تُصلّى كصلاة العيد، وتكون فيها خُطبة واحِدة، ويفتتحُها الإمام بالتكبير، مع الإكثار من الاستغفار والصّلاة على النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، ورفع يديه عند الدُّعاء،[٩] ويقرأ في الصّلاة سورة الأعلى وسورة الغاشية.[١٠]
- المالكيّة: تُصلّى كصلاة العيد إلّا أنّ المصلّي يستغفر بدل التكبيرات، ثم تكون الخُطبتان بعد الصّلاة، مع فعل الإمام للسُّنن كاستقبال القبلة، والدّعاء، وقلب الرِّداء،[١١] ويقرأ الإمام في الرّكعة الأولى سورة الأعلى، وفي الثانية بسورة الشمس.[١٠]
يتقدّم الإمام للصّلاة من غير أذانٍ ولا إقامة، ويخطب بعدها أو قبلها بحسب تعدّد آراء المذاهب، ويقول في بدايتها كما جاء في السُنّة النبويّة عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه كان إذا صعد على المنبر بعد الاستسقاء قال: (إنَّكم شَكَوتُمْ جدبَ ديارِكُم واستئخارَ المطرِ عن إبَّانِ زمانِهِ عنكُم وقد أمرَكُمُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أن تدعوهُ ووعدَكُم أن يستجيبَ لَكُم)،[١٢] مع الإكثار من الأدعية التي يطلبُ فيها الغيث والمطر من الله -تعالى-،[١٣] كدعاء النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا)،[١٤][١٥] وذهب جُمهور الفُقهاء غير أبي حنيفة إلى أنّ النّداء لصلاة الاستسقاء يكون بقول: "الصّلاة جامعة"، وأنّها تكونُ جماعةً في الصّحراء مع الجهر فيها بالقراءة.[٣]
سنن صلاة الاستسقاء وآدابها
إنّ لصلاة الاستسقاء مجموعة من السنن والآداب التي يُستحبُّ فِعلُها ومراعاتها عند أدائها، ومن سنن صلاة الاستسقاء وآدابها ما يأتي.
تحويل وقلب الرِّداء
ذهب أكثر أهل العلم إلى أنّ ذلك يُستحبُ للإمام والمأموم، وهو قول الشافعيّ وأحمد، وذهب أبو حنيفة إلى عدم استحباب ذلك، وجاء عن سعيد بن المسيّب والثوريّ أنّ ذلك مُختصٌّ بالإمام فقط،[١٦]ويكون تحويل الرِّداء؛ بجعل بقلب أيمن الرداء إلى الأيسر والعكس، لِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قالَ: فَحَوَّلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِرَاءَةِ).[١٧][١٨]
التوبة والصدقة
يُستحبّ من الإمام تذكير الناس وحثّهم على التّوبة والصّدقة قبل خُروجهم إلى الصّلاة، وإعادة المظالم لأصحابها، وصيام ثلاثة أيام قبلها، ثم يكون خُروجهم في اليوم الرّابع لأداء الصّلاة، مع خُروجهم بثيابٍ تدلّ على التذلُّل كما ذهب إلى ذلك الجُمهور خلافاً للحنابلة، ويطلبُ منهم إخراج أطفالهم وكِبار السِن والضعفاء؛ ليكون ذلك أقرب إلى رحمة الله تعالى.[١٩]
رفع الأيدي عند الدعاء
يُستحب رفع الأيدي عند الدّعاء للإمام والمأمومين؛ لِحديث أنس بن مالك -رضيَ الله عنه-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شيءٍ مِن دُعَائِهِ إلَّا في الِاسْتِسْقَاءِ، وإنَّه يَرْفَعُ حتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ).[٢٠][١٥]
الخروج بتواضع وتذلل
يُستحب أن يخرج النّاس لصلاة الاستسقاء على هيئة المُتضرّعين والمُتواضعين، مع ابتعادهم عن الزّينة والتجمُّل؛ لإظهار الفقر التامّ لله -تعالى-،[١٥]ويُستحب الإكثار من الطّاعات قبل الخروج إلى صلاة الاستسقاء، وطلب الدُّعاء من أهل الصّلاح.[٣]
المراجع
- ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 325، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433هـ)، الموسوعة الفقهية، السعودية: الدرر السنية dorar.net، صفحة 190، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 1438-1444. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1433هـ)، الموسوعة الفقهية، السعودية: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 189، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث محمد بن إبراهيم التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 551. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 328، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1442، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ صالح السدلان، رسالة في الفقه الميسر، صفحة 49. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الرحمن الجزيري (2003م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 325-327، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب سعيد حوى، الأساس في السنة وفقهها، صفحة 1438-1439. بتصرّف.
- ↑ وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 1441، جزء 2.بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1173، حسنه الألباني.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1433هـ)، الموسوعة الفقهية، السعودية: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، صفحة 191-192، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1013، صحيح.
- ^ أ ب ت محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 682-685. بتصرّف.
- ↑ محمد نعيم ساعي، موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي، صفحة 241. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، الصفحة أو الرقم:1025، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1433هـ)، الموسوعة الفقهية، السعودية: الدرر السنية dorar.net، صفحة 192، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن الجزيري (2003م)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 329، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1031، صحيح.
ملخص المقال
صلاة الاستسقاء هي التوجّه إلى الله تعالى بالصلاة؛ طلباً للمطر عند الحاجة، وتُؤدى عند الجفاف أو قلة الأمطار، وصلاة الاستسقاء سنة مؤكدة وتُصلى في أي وقت عدا الأوقات المنهي عنها، ويفضل بعد طلوع الشمس عند جمهور العلماء، وتُصلى ركعتين مع تكبيرات كصلاة العيد، ويخطب الإمام بعدها، ومن سننها وآدابها التوبة والصدقة قبل أدائها، رفع الأيدي بالدعاء، والخروج بتواضع وتذلل، وتعددت أقوال الفقهاء في كيفيتها، لكن الجمهور على أنها كصلاة العيد.
أسئلة شائعة
صلاة الاستسقاء سنة مؤكّدة وليست واجبةً؛ فلا يحرم تركها من الفرد، لكنّ الأولى والأفضل أن يحرص على أدائها؛ لكونها سنةً فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام-.[12]
يستحب للنساء الخروج لصلاة الاستسقاء بشرط عدم وضع الزينة؛ حيث ذكر الفقهاء أنّه يُستحب خروج الرجال والشيوخ والأطفال ومن لا هيئة لها من النساء، ومن لا هيئة لها؛ أي غير المتزينة.[20]
لم يرد ذكر صلاة الاستسقاء أو أحكامها بشكل صريح في القرآن الكريم، لكن الأحاديث في السنة النبوية ذكرت صلاة الاستسقاء وأنّ النبي أدّاها، كما وردت في القرآن الكريم آيات حول اللجوء إلى الله تعالى واستغفاره والتضرّع إليه طلباً للمطر، ومنها قول الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا).[21]